بعد أن تم اخلاء مبنى المجمع الكائن بميدان التحرير، سمعنا عن العديد من الأفكار والاقتراحات عن كيفية استثمار هذا المجمع الضخم، ومنها على سبيل المثال تحويله إلى فندق سياحى… ومع احترامى لأصحاب هذا الاقتراح، أجد أنه اقتراح ساذج وقصير النظر، حيث لا يمكن إيجاد المقومات اللازمة في المبنى وفى محيطه لتشغيل فندق بهذا الحجم.
ولأنى كنت دائما مؤمنا بالاستثمار في الشباب وفى المستقبل، رأيت مشاركتكم التفكير في اقتراح آخر أراه أكثر واقعية من كل ما طرح من أفكار حتى الآن؛ ويتلخص في تحويل المبنى بأقل التكاليف إلى حضانة تكنولوجية (Technological Incubators) لشباب اليوم لإعدادهم ومعاونتهم للتحول إلى مبتكرين وأصحاب أعمال في المجالات التكنولوجية الحديثة… وقد سبق ورأينا كيف نجحت مثل تلك الحضانات في مختلف دول العالم في النهوض بالصناعات الحديثة وجذب الاستثمارات العالمية وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل.
أما عن مقومات المجمع لمثل هذا الاستخدام وكيفية تنفيذ مثل هذا المشروع، فألخصها في عدة نقاط كما يلى:
• لا يحتاج الشاب الواحد لمساحة عمل تزيد عن 5 متر مربع، أي أن المجمع كما نعرفه يمكنه استيعاب حتى أربعة آلاف شاب بمنتهى اليسر، (وكان يعمل بالمجمع 14 ألف موظف)، كل واحد منهم يمكنه أن يتحول خلال فترة تتراوح بين 12 و24 شهر إلى شركة تنتج وتسوق أحد الابتكارات التكنولوجية، فيخلى مكانه لشاب آخر حتى تستمر عملية اخراج المبتكرين.
• المبنى به مساحات يسهل تحويلها إلى قاعات اجتماعات مجمعة أو منفصلة يقوم الشباب بحجزها لاستخدامها عند الضرورة لقضاء عمله. كما يوجد مساحات للخدمات العامة مثل الكافتريات والمكتبات وورش صيانة الأجهزة.
• غالبية الشباب لن يحتاج إلى استخدام سيارة للحضور إلى مكان العمل، حيث يوجد محطة مترو التحرير بجوار المجمع، وبالتالي فلن يحتاج المشروع إلى مساحة كبيرة لموقف السيارات.
• المجمع متصل بشبكات الاتصالات، وسيحتاج لتحسينها إلى توصيل كابل الألياف الضوئية، وهو أمر أصبح ميسر وغير مكلف.
• خدمات المبنى المختلفة، مثل المصاعد ودورات المياه متوفرة، وإن احتاجت إلى بعض الصيانة (ما لم تكون قد تمت فعلا).
الحضانات التكنولوجية تحتاج إلى مشرفين في مختلف التخصصات الفنية لمعاونة الشباب وتوجيههم، أثناء فترة الاحتضان ولزيادة فرص نجاح مشروعاتهم، وكثيرا ما يقوم المشرفين بإيجاد فرص تعاون وتكامل بين مختلف المشروعات العاملة بالحضانة. كما تحتاج الحضانات إلى نظام ادارى منضبط وعدد من الإداريين ومعاونيهم.
عملية الاحتضان تتم بناء على امتحانات أو مسابقات لاختيار مشروعات الشباب القابلة للنجاح بعيدا عن الأحلام الوردية والأوهام. وبعد اختيار المشروعات الواعدة، يتم استقبال الشاب وتخصيص مكان لعمله مع مده بالأجهزة اللازمة من الحاسبات وغيرها، كما يتم تحديد مدة الاحتضان لكل مشروع، حيث يتقاضى خلالها الشاب مرتب بسيط لمعاونته أثناء فترة اعداد المشروع (ألف جنيه). ويعتبر هذا المرتب قرض يتم سداده في حالة نجاح المشروع خلال الثلاث سنوات التالية لفترة الاحتضان. أما للمشروعات غير الناجحة، فيتم اسقاط القرض عن الشاب بعد فترة خمس سنوات… ومن جهة أخرى يمكن إضافة خدمة الاحتضان عن بعد (Remote incubation)، أي يستفيد الشاب بمعاونة الحضانة دون أن يشغل مكان بها، وذلك عن طريق وسائل الاتصال الحديثة.
لعل تكون مثل تلك الأفكار أوقع للاستثمار في مبنى المجمع والأهم في الاستثمار في مستقبل شباب هذا البلد.