الإعلامُ حرفٌ في كلمة ، وليس نقطةً في آخر السطر ، هو السبيلُ الأسرعُ إلي إثراءِ الوجدان والعقول ، والوصولِ إلي الخبرِ والمعلومة ، لاتخاذِ القرارِ الأصوب ، في الوقتِ الأنسب ..
به يقتربُ البعيد ، ويتحولُ العالم الواسعُ ، إلي قريةٍ صغيرة ، تكادُ تعرفُ كلَ تفصيلةٍ فيها .
أدرك السابقون أهميته وقدرته اللا محدودة على التأثير والتغيير ، فوضعوا له خططَهم ، فهذا وزير إعلام هتلر، جوزيف جوبلز ، يقول : «اعطني إعلاماً بلا ضمير أُعطِك شعباً بلا وعي».
وخيرُ الإعلامِ وأنفعُه ، ما كان نابعاً من لسانِ صدقٍ ، والإعلامُ الصادقُ ، هوالباحثُ دوماً عن الحقيقة ، بل إنه و الحقيقة وجهان لعملة
واحدة .
ولقد شاهدنا وسمعنا وقرأنا ، صنوفاً متعددة من الإعلام :
− إعلاماً يعرض جزءاً من الحقيقة .
− وإعلاماً يخشي عرضَ الحقيقة .
− وإعلاماً يحارب الحقيقة .
ودائماً القلوبُ كالقدور ، تغلي بما فيها ، وألسنتُها مغارفُها .
إن الكلمةَ أمانة ، الكلمةَ شرف ، الكلمةَ مسئولية ..
و إن للإعلامِ رسالةً أسمي ، خلاصتُها غرسُ القيم ، واستنهاضُ الهمم ..
وفي آداب الإعلام ، ليس كلُ ما يُعرف يقال ، وليس كلُ ما يُقال صادفَ أهلَه ، وليسَ كلُ ما صادفَ أهلَه حانَ وقتُه ..
إن فضلَ إعلامِ الدولة ، على الإعلام الخاص ، كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائر الكواكب .
ولايختلف إثنان أننا ، ومنذُ سنواتٍ ، نعيشُ حالةً من الفوضي الإعلامية ، وقد حذرنا كثيراً من خطورة هذا المشهد ، وتأثيراته السلبية على الفرد والجماعة في مصر ، كما حذرنا من هذهِ الحربِ الظالمةِ ، التي لا تتوقفُ على إعلامِ الدولة ، إعلامِ الوطن ، إعلامِ الخدمةِ العامة ، إعلام ماسبيرو ، مع حديثٍ لا يتوقفُ عن ماسبيرو ، عمال ماسبيرو ، موظفي ماسبيرو ، برامج ماسبيرو ، وكأن ماسبيرو هو مشكلة مصر الوحيدة ، التي يجب حلُها فوراً ، بالقضاء عليه نهائياً .
يا سادة إن ماسبيرو هذا ، الذي تتندرون عليه ، هو الأصل والأساس ، وما الإعلامُ الخاصُ كلُه ، إلا صنيعةَ ماسبيرو ..
هل رأيتم ، أو سمعتم يوماً ، سباً وقذفاً ، وتجاوزاً لكلِ الآداب ، يخرجُ من ماسبيرو ؟ هل سمعتم يوماً ملاسناتٍ ومشاحناتٍ ، مصدرُها ماسبيرو ؟
أنسيتم ماسبيرو ؟ يامن كنتم تتمنون الوقوفَ أمامَه ، والحديثَ في استديوهاته .
أنسيتم ماسبيرو ؟ ضميرَ الأمةِ الصادق ، الذي لم تلوثْه أطماعٌ شخصية ، أو متاجراتٌ دنيوية .
أنسيتم ماسبيرو ؟ ناقلَ الحقيقةِ المُجردة عن الغرض ، المنزهة عن الهوى .
ثم يأتي علينا خبرٌ كالصاعقة ، ماذا حدث :
إيقاف البث الفضائي للقنوات الإقليمية ، بدايةً من القناة الثالثة وحتى القناة الثامنة ، والاكتفاء بالبث الأرضي ، مع تأكيدات عجيبة من متخذي هذا القرار ، أن فكرة الاكتفاء بالبث الأرضي ، تستهدف التطوير ، وترفع شعار لا ضرر ولا ضرار ، فلا مساس بالعاملين بهذا القطاع ، وأن المخصصات المالية التي ستتوفر ، وقدرُها مليون و400 ألف دولار سنويا ، سيتم استخدامها في التطوير ..
ما هذا ؟ ماذا يحدث ؟ ولمصلحة من ؟
كيف نقضي بأيدينا علي جزءٍ مهم من إعلام الشعب ( الإعلام الإقليمي ) والكل يعلم أنه الأقرب للحدث ، والأكثر تفاعلاً مع الجماهير ، وهكذا أثبتت التجربة ، ومحدثكم واحدٌ من أبناء هذا الإعلام ، تعددت تجاربُه الإعلامية ، حتي وصل لرئاسة واحدة من أهم الفضائيات ، فتكونت عندي قناعات ، لا تقبلُ الشك ولا التأويل ، ومن واقع تجارب حقيقية ، أن مهارات العاملين بالإعلام الإقليمي ، تتخطي كثيراً مهارات غيرهم في الإعلام الخاص ، فهم الأكثر دراية بفكرة بحاجات المجتمع الحقيقية ، والأكثر قدرة علي التعبير عن آمال الناس وآلامهم ، ولا يحملون أجندات خاصة ، ولا توجهات مريبة ، وليسوا أبواقاً لغيرهم ، وإنما أصوات حرة ، تستهدفُ خيرَ هذا الوطن ..
إن ما يحدث جريمة مكتملة الأركان ، فهذه القنوات الإقليمية لها أبعادُها الأمنية والاستراتيجية المهمة ، وتقوم بتغطية محافظات حدودية ، وهي خط الدفاع الإعلامي الأول ..
وليس من الإنصاف ، ولا العدل ، ولا حتي الكياسة ، أن نقوم بتغليب الإنفاق علي المضمون ، ثم ندعي أنه من أجل التطوير ، تطوير لم يحدث ونحن في الفضاء ، فهل سيحدث ونحنُ علي الأرض ؟
هو وعد بلفور إعلامي جديد ، يقترحُه من لا يملك ، ولمصلحةِ من لا يستحق ..
راجعوا أنفسكم ، فالكلمة أمانة والقرار مسئولية ، أمام الله وأمام الناس ..
د . عادل اليماني ..