إسلام خالد يكتب… الحصار التكنولوجي الأمريكي للصين: من يطوّق من؟
بقلم: المهندس إسلام خالد – استشاري التكنولوجيا
في عام 2022، قررت الولايات المتحدة فرض واحدة من أقوى استراتيجيات الحصار التكنولوجي في التاريخ الحديث. بموجب القانون الجديد، أصبحت أي شركة تستخدم تكنولوجيا أمريكية ممنوعة من بيع الرقائق الإلكترونية أو معدات تصنيعها إلى الصين. وبذلك، كانت الولايات المتحدة تهدف إلى إبطاء تقدم الصين التكنولوجي، ومنعها من السيطرة على أدوات تقود العالم، بدءًا من الهواتف الذكية وصولًا إلى الصواريخ الذكية. على الرغم من ذلك، كانت الصين في طريقها لإيجاد حلول بديلة.
تحرّك أدوات الضغط
في عام 2022، قررت الولايات المتحدة فرض واحدة من أقوى استراتيجيات الحصار التكنولوجي في التاريخ الحديث. بموجب القانون الجديد، أصبحت أي شركة تستخدم تكنولوجيا أمريكية ممنوعة من بيع الرقائق الإلكترونية أو معدات تصنيعها إلى الصين. وبذلك، كانت الولايات المتحدة تهدف إلى إبطاء تقدم الصين التكنولوجي، ومنعها من السيطرة على أدوات تقود العالم، بدءًا من الهواتف الذكية وصولًا إلى الصواريخ الذكية. على الرغم من ذلك، كانت الصين في طريقها لإيجاد حلول بديلة.
شركة ASML: النقطة الحرجة في الصراع
استهدفت أمريكا بشكل خاص شركة ASML الهولندية، وهي الشركة الوحيدة في العالم التي تُنتج آلات الطباعة بالضوء فوق البنفسجي المتطرف (EUV)، التي تعتبر أساسية لتصنيع رقائق 3 و5 نانومتر. وبذلك، اعتقدت الولايات المتحدة أنها أغلقت طريقًا رئيسيًا أمام تطوير الصين للتكنولوجيا المتقدمة. لكن، كما سنرى، كانت الصين قد بدأت في تنفيذ خطة استراتيجية لبناء منظومتها الخاصة.
استجابت الحكومة الهولندية للضغوط الأمريكية وقررت تقييد تصدير هذه التكنولوجيا إلى الصين.
الصين تبني استراتيجيتها بحذر
على الرغم من ذلك، لم تتخذ الصين موقفًا تصعيديًا أو تهاجم أمريكا علنًا. بدلًا من ذلك، بدأت تنفيذ خطة استراتيجية طويلة الأمد لتطوير منظومتها الخاصة. استثمرت مليارات الدولارات في شركة SMIC، أكبر مصنع محلي للرقائق، وركزت على جذب المهندسين من تايوان وكوريا الجنوبية. كما خصصت تمويلًا ضخمًا للبحث العلمي. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت الحكومة الصينية بتوفير كل الدعم اللازم لتحقيق السيادة التكنولوجية.
في تصريح استراتيجي، قال رئيس الوزراء الصيني الأسبق “لي كه تشيانغ”:
“من لا يملك الرقاقة… لا يملك المستقبل.”
المفاجأة: شريحة صينية 7 نانومتر دون EUV
في صيف 2023، أعلنت هواوي عن هاتف مزود بشريحة 7 نانومتر تم تصنيعها بالكامل داخل الصين باستخدام تقنية DUV (الضوء فوق البنفسجي العميق)، رغم الحظر المفروض على تقنيات EUV. وبذلك، أعلنت الصين عن إنجاز مذهل كان يعتبره الغرب “مستحيلًا”.
قد يبدو هذا الاختراق صغيرًا، ولكنه كان بمثابة إشارة قوية بأن الصين قادرة على تحقيق تقدم كبير رغم الضغوط. على الرغم من أن هذا الانجاز لم يعالج كل التحديات، إلا أنه أثبت أن الصين قادرة على التكيف والنمو.
روسيا تفتح أبواب الدعم الخفية
في هذا السياق، لم تكن الصين وحدها تسعى إلى التقدم. في الخفاء، قدمت روسيا دعمًا استراتيجيًا بتوفير المواد الخام الحيوية مثل غاز النيون والبلاديوم والهيليوم النقي. هذا الدعم جاء في وقت حرج بعد أن تعطلت الإمدادات من أوكرانيا بسبب الحرب.
وبذلك، تمكّنت الصين من إيجاد مصادر بديلة واستمرار تقدمها التكنولوجي، بالرغم من الحصار الأمريكي.
أمريكا تشعر بالقلق
لم تستطع الولايات المتحدة إخفاء قلقها من هذه التطورات. كما صرّح “جاك سوليفان”، مستشار الأمن القومي الأمريكي:
“الوصول الصيني إلى هذه التقنيات يعد أمرًا مقلقًا ومفاجئًا.”
هذا القلق يعود إلى أن الرقاقة أصبحت مفتاحًا للتحكم في الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمية، والاقتصاد الرقمي. بالإضافة إلى ذلك، تمثل هذه التقنيات نقطة الفصل في الصراع بين القوى الكبرى في العالم.
تايوان: نقطة ضعف في تفوق الولايات المتحدة
بينما تتفاخر أمريكا بتفوقها التكنولوجي، تعتمد بشكل أساسي على شركة TSMC التايوانية في توريد الرقائق المتقدمة. لكن، تايوان تقع على بُعد كيلومترات فقط من الصين، مما يجعل هذا المورد الحيوي عرضة للخطر في حالة حدوث توتر بين الدولتين.
إذن، قد تصبح سلسلة الإمداد الأمريكية في موقف ضعيف جدًا في حال نشوب أي أزمة سياسية أو عسكرية.
الصين تبني طريقها نحو السيادة التكنولوجية
في ظل هذه التحديات، تسعى الصين لإنشاء نظام مستقل بالكامل في صناعة الرقائق، وهو ما يُعرف بـ “السيادة التكنولوجية”. يهدف هذا المشروع إلى تقليص الاعتماد على الغرب من خلال الاستثمار في تطوير أشباه الموصلات. وبذلك، فإن الصين تتجه نحو تحقيق حلمها في الحصول على استقلال تكنولوجي كامل.
في الوقت نفسه، تسعى الصين لبناء كامل منظومتها التكنولوجية الخاصة، متضمنة تصميم وتصنيع الرقائق وأجهزة الاتصالات والذكاء الاصطناعي.
تغيّر ميزان القوى العالمي
من خلال هذه التحركات، فإن الفجوة التكنولوجية بين الصين والغرب بدأت تضيق بسرعة غير متوقعة. بينما كانت التوقعات تشير إلى أن الصين ستحتاج إلى عقد كامل لتضييق الفجوة، فإننا نرى اليوم أن هذا الهدف قد يتحقق في ثلاث أو أربع سنوات فقط.
وبذلك، قد يشهد العالم تحولًا من الهيمنة الأمريكية على التكنولوجيا إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث لا يهيمن طرف واحد على كل شيء.
من يملك الرقاقة يملك القرار
لا يتعلق الأمر فقط بمنافسة اقتصادية، بل بمنافسة استراتيجية على مفاتيح المستقبل. الرقاقة اليوم هي التي تحدد من يملك القرار في عالم اليوم.
إذن، من يمتلك التكنولوجيا، يمتلك المستقبل. والسؤال الأهم: من يملك الرقاقة الآن؟ ومن يمتلك القرار؟