محمود أحمد يكتب: الهوية الرقمية والهوية الرقمية المالية وeKYC استراتيجيات للأعمال في السوق المصري المتسارع
منذ أسبوعين
4 دقائق
محمود أحمد يكتب: الهوية الرقمية والهوية الرقمية المالية وeKYC: استراتيجيات للأعمال في السوق المصري المتسارع
مقال المهندس محمود أحمد: نائب الرئيس التنفيذي لتكنولوجيا المعلومات بشركة فيكسد مصر
شهدت مصر أمس 15 أكتوبر 2025، لحظة فارقة في مسيرة التحول الرقمي في مصر مع الإطلاق الرسمي لمنصة «هوية» الرقمية المالية. هذا ليس مجرد تحديث تقني، بل هو إعلان عن بدء حقبة جديدة للاقتصاد المصري، حقبة تعيد تعريف الثقة والمعاملات والنمو. في الوقت الذي يستحوذ فيه قطاع التكنولوجيا المالية المصري على 48.3% من حصة السوق في أفريقيا وشهد نموًا بمقدار 5.5 أضعاف في السنوات الخمس الماضية، فإن الشركات التي لا تتبنى استراتيجية واضحة للهوية الرقمية الآن، تخاطر بالتخلف عن الركب بشكل لا رجعة فيه.إن الثورة الرقمية لم تعد قادمة، بل هي هنا بالفعل. والسؤال لم يعد “هل” يجب على الشركات التكيف، بل “كيف” يمكنها الاستفادة من هذه الموجة لتحقيق ميزة تنافسية حاسمة.
منظومة الهوية الرقمية في مصر: رؤية متكاملة
تشهد مصر تطوراً استثنائياً في بنيتها التحتية للهوية الرقمية من خلال منصتين متكاملتين تخدمان قطاعات مختلفة. منصة “هويتي رقمية” التابعة لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتي تعمل بالفعل كبوابة للخدمات الحكومية عبر منصة مصر الرقمية، توفر خدمات الوثوق والتحقق من الهوية للمواطنين عند التعامل مع الجهات الحكومية. بينما تأتي منصة “هوية” التي أطلقها البنك المركزي المصري اليوم لتكمل المنظومة بتركيزها على القطاع المالي والمصرفي.هذا التكامل بين المنصتين يعكس رؤية شاملة للتحول الرقمي في مصر، حيث تغطي “هويتي رقمية” احتياجات القطاع الحكومي، بينما تركز “هوية” على تمكين الشمول المالي والتحول إلى اقتصاد رقمي غير نقدي.
ثورة الهوية الرقمية المالية: ما وراء المصطلحات
لفهم حجم الفرصة في القطاع المالي، يجب أولاً فك شفرة المفاهيم الأساسية التي تقود هذا التحول. الهوية الرقمية هي المعادل الإلكتروني الآمن لهويتك المادية، مما يسمح بالتحقق من الشخصية عن بعد. والهوية الرقمية المالية هي تطبيق متخصص لهذه الهوية في القطاع المالي، مما يتيح معاملات آمنة وسلسة مع البنوك والمؤسسات المالية. أما اعرف عميلك إلكترونيًا (eKYC)، فهي العملية الرقمية التي تستخدم هذه الهويات للتحقق من العملاء، مما يضع نهاية للإجراءات الورقية الطويلة والمكلفة.هذه المفاهيم ليست مجرد نظريات، بل هي حجر الزاوية في رؤية مصر 2030 واستراتيجيتها للتحول الرقمي. ويقف البنك المركزي المصري في قلب هذا التحول المالي، ليس فقط كمنظم، بل كمستثمر استراتيجي، حيث يمتلك 55% من رأس مال شركة الهوية الرقمية المالية برأس مال مبدئي يبلغ 275 مليون جنيه مصري. هذا الدعم الحكومي القوي يرسل إشارة واضحة للسوق: المستقبل رقمي، والبنية التحتية الأساسية أصبحت جاهزة.
الهوية الرقمية
التعريف : تمثيل إلكتروني موثوق لهوية الفرد أو الكيان.الاهمية للأعمال : تمكين الوصول الآمن عن بعد للخدمات والحد من الاحتيال.محمود أحمد يكتب: الهوية الرقمية والهوية الرقمية المالية وeKYC: استراتيجيات للأعمال في السوق المصري المتسارع
التعريف : عملية التحقق من هوية العميل إلكترونيًا باستخدام بيانات رقمية.الاهمية للأعمال : خفض تكاليف الامتثال، وتحسين تجربة العميل، وتسريع عملية الإعداد.لماذا الآن؟ العاصفة المثالية للتحول الرقمي في مصرتتلاقى عدة عوامل قوية في هذه اللحظة لتخلق فرصة لا مثيل لها للشركات المصرية. أولاً، الزخم التنظيمي، حيث تمنح الهيئة العامة للرقابة المالية (FRA) الموافقات لشركات التعهيد لتقديم خدمات eKYC، مما يضفي الشرعية على العمليات الرقمية بالكامل. ثانيًا، جاهزية البنية التحتية مع إطلاق منصة «هوية» المالية التي ستكون العمود الفقري للمعاملات البنكية الرقمية، بالتوازي مع منصة “هويتي رقمية” للخدمات الحكومية. ثالثًا، طلب السوق مدفوعًا بأهداف الشمول المالي ورغبة المستهلكين في الحصول على خدمات أسرع وأسهل. وأخيرًا، الضغط التنافسي، حيث تسعى مصر للحفاظ على مكانتها كمركز إقليمي للتكنولوجيا المالية. هذه العوامل مدعومة بأساس اقتصادي متين. فمع توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.2% لعام وسوق تحويلات ضخم يبلغ 30 مليار دولار، فإن الشركات التي تتبنى الهوية الرقمية المالية ستكون في أفضل وضع للاستفادة من هذا النمو.
المزايا الإستراتيجية التي لا يمكن تجاهلها
إن تبني استراتيجية الهوية الرقمية المالية لا يتعلق فقط بمواكبة العصر، بل بتحقيق مزايا تنافسية ملموسة. الكفاءة التشغيلية تمثل الميزة الأولى والأكثر وضوحاً. يمكن للشركات تقليص وقت إعداد العملاء الجدد من أيام إلى دقائق، وخفض التكاليف التشغيلية بشكل كبير من خلال الأتمتة، وتقليل الأخطاء البشرية. احدي شركات التعهيد المرخصة من هيئة ارقابة المالية وحدها تعالج أكثر من 25 مليون معاملة تحقق سنويًا، مما يوضح حجم الكفاءة التي يمكن تحقيقها في السوق المصري. تجربة العملاء الفائقة تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية. في سوق مزدحم ومتنافس، تمثل التجربة السلسة عامل تمييز رئيسي. تتيح الهوية الرقمية المالية للعملاء فتح حسابات، والتقدم بطلب للحصول على قروض، وإجراء استثمارات من أي مكان وفي أي وقت، دون الحاجة لزيارة فرع بنكي. هذا التحول يلبي توقعات الجيل الرقمي الذي يشكل شريحة متزايدة من السوق المصري. الامتثال التنظيمي المعزز يوفر راحة البال للمؤسسات المالية. تعمل أنظمة eKYC على أتمتة الامتثال لقوانين مكافحة غسيل الأموال (مثل القانون رقم 80 لعام 2002)، وتوفر مسارات تدقيق واضحة، وتبسط متطلبات حفظ السجلات لمدة خمس سنوات. هذا يقلل من مخاطر الغرامات التنظيمية ويعزز سمعة المؤسسة.الأمان اللا مثيل له يمثل الركيزة الأساسية للثقة. تعتمد المنصات الجديدة على أنظمة تشفير متقدمة، والتحقق البيومتري، والتكامل المباشر مع قواعد البيانات الحكومية (بما في ذلك بيانات وزارة الداخلية)، مما يوفر حماية قوية ضد سرقة الهوية والاحتيال ويجعل التوقيعات الرقمية ملزمة قانونًا في المحاكم المصرية.
المستقبل يبدأ اليوم
مع اقتراب الإطلاق الكامل لنظام eKYC الوطني بحلول منتصف عام 2026، فإن نافذة الفرصة للاستفادة من ميزة المحرك الأول تضيق بسرعة. إن إطلاق منصة «هوية» المالية ليس مجرد خبر، بل هو دعوة للعمل الفوري والحاسم. إن ثورة الهوية الرقمية المالية في مصر ليست مجرد احتمال مستقبلي، بل هي واقع يتشكل الآن أمام أعيننا. الشركات التي تبدأ اليوم في تقييم استراتيجياتها، واختيار شركائها، والبدء في التنفيذ هي التي ستقود السوق غدًا. مع وجود بنية تحتية حكومية جاهزة عبر “هويتي رقمية” وبنية تحتية مالية متطورة عبر “هوية”، لم يكن الوقت أفضل من الآن للتحرك. لا تنتظر حتى يفوت الأوان. ابدأ رحلة التحول الرقمي لهويتك المالية اليوم.