مقالات الرأي

أشرف محمد يكتب: تريند الصور المزيفة… عندما يحول الذكاء الاصطناعي الأشخاص إلى دُمية

مقال تريند الصور المزيفة بقلم: أشرف محمد – مسؤول النشر والمحتوى بموقع وطن رقمي

غزت الصور المزيفة مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة هائلة. لم يعد الأمر مقتصرًا على الأخبار المفبركة أو الفيديوهات المعدلة، بل وصل إلى وجوه الناس وملامحهم. اليوم يمكن لأي شخص أن يصنع صورة مثالية لنفسه خلال دقائق. هذه الثورة الرقمية كشفت الوجه الآخر للذكاء الاصطناعي؛ وجه يصنع الوهم بدل الحقيقة.

بين الإبداع والخداع

وُلد الذكاء الاصطناعي ليخدم الإبداع، ويساعد المصورين والمصممين على تحسين أعمالهم. لكنه انحرف أحيانًا عن هدفه. فالكثيرون يستخدمون أدواته الآن لتزييف الصور، لا لابتكارها.
تطبيقات مثل FaceApp وMidjourney وAI Portrait Generator جعلت التلاعب بالملامح أمرًا عاديًا. بضغطة واحدة يمكن أن تغيّر عمرك أو لونك أو ملامح وجهك. بعض المستخدمين وجدوا في ذلك تسلية، وآخرون استخدموه لتحقيق شهرة أو خداع الجمهور.

النتيجة واضحة: أصبح الإنترنت مليئًا بصور لا يمكن الوثوق بها. ملايين الأشخاص يصدقون ما يرونه، دون أن يدركوا أن كثيرًا من تلك الوجوه وُلدت داخل خوارزميات لا تعرف أصحابها.

الذكاء الاصطناعي يصنع واقعًا زائفًا

تكمن خطورة هذه الموجة في أنها لا تغيّر الصورة فقط، بل تغيّر نظرتنا لأنفسنا. كثيرون أصبحوا أسرى لنسخة رقمية مثالية صنعوها بأنفسهم. ينظرون في المرآة ولا يجدون الشخص نفسه الذي يظهر على الشاشة. هذه الفجوة بين الحقيقة والوهم تخلق شعورًا بعدم الرضا، وتدفع الناس إلى الهروب نحو مزيد من التزييف.

الصورة لم تعد وسيلة توثيق، بل أصبحت وسيلة هروب من الواقع. ومع الوقت، تفقد الوجوه أصالتها، ويتحول الإنسان إلى دُمية رقمية لا تشبهه.
الذكاء الاصطناعي هنا لا يجمّل الحياة، بل يُفرغها من معناها.

خطر حقيقي على الخصوصية والمجتمع

لا تتوقف خطورة الصور المزيفة عند حدود الجمال أو الشهرة. فالكثير من حالات الابتزاز الإلكتروني بدأت بصور معدلة. بعض الصفحات تستخدمها لتشويه سمعة أشخاص أو لتضليل الرأي العام.
المجرمون استغلوا هذه التقنيات لإنتاج صور وفيديوهات يصعب كشف زيفها. ومع كل تطور جديد، تصبح عملية التمييز بين الحقيقي والمفبرك أكثر صعوبة.
النتيجة هي فقدان الثقة في كل ما نراه، وتراجع الإيمان بالمصادر البصرية التي كانت في الماضي دليلًا على الصدق.

الحاجة إلى وعي رقمي جديد

الحل لا يكمن في حظر الذكاء الاصطناعي، بل في توعية الناس بخطورته. على المستخدم أن يفكر قبل مشاركة أي صورة أو إعادة نشر أي محتوى. يجب أن يسأل نفسه: من صنع هذه الصورة؟ وما الغرض منها؟
كما ينبغي على منصات التواصل الاجتماعي أن تطور أدوات تكشف الصور المفبركة وتُعلِم المستخدمين بها بوضوح.
الوعي الرقمي هو السلاح الأقوى في مواجهة التزييف. فالتقنية لا تؤذي إلا من يجهلها.

الحقيقة لا تحتاج فلترًا

الذكاء الاصطناعي ليس خصمًا للبشر، لكنه مرآة لطريقتهم في استخدامه. إذا استخدمناه بوعي، سيكشف لنا الجمال الحقيقي. وإذا استسلمنا له، سيحولنا إلى نسخ متشابهة بلا هوية.
الجمال لا يحتاج خوارزمية، والصدق لا يحتاج فلترًا.
فلنحافظ على حقيقتنا، قبل أن تبتلعنا الصور المزيفة ونصبح مجرد دُمى رقمية تتنفس الوهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى